مع كل التطورات التكنولوجية التي أخرجها لنا العصر الحديث، مثل موقع الفيس بوك، وتويتر، وأجهزة الآي باد، بالإضافة إلى مئات الأفلام السينمائية والأعمال التليفزيونية التي يطل علينا من خلالها نجوم يحرصون دائما على الظهور أمام جماهيرهم بصورة براقة تخلو من العيوب في مظهرهم وتصرفاتهم، أصبح الجميع تقريبا يتظاهرون بغير حقيقتهم طوال الوقت!!
لا يمكننا أن نكون جاحدين بكل المميزات والتسهيلات ووسائل الاتصال والترفيه التي وفرها لنا القرن الحادي والعشرين، لكن كل هذه الوسائل المتقدمة علمت الناس بالتدريج كيف يرتدون الأقنعة عند تعاملاتهم مع الآخرين، دون تعمد منهم ودون أن يشعروا بذلك في أحيان كثيرة.
فكري معي: كم مرة تظاهرت بالابتسام أو البكاء أو السعادة أو الغضب من خلال محادثاتك مع الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي والماسنجر، وذلك من خلال استخدام الرسوم الجاهزة (emotions) التي تمنح انطباعات بعينها لمن تحدثينه؟
كم مرة تحدثت بعبارات مجاملة لا تعنينها، أو قلت: "لقد سعدت بلقائكم... لابد وأن نلتقي مرة أخرى قريبا! انتظروا مني اتصالا تليفونيا لنتفق!" لأناس كثيرين اضطرتك الظروف لإجراء محادثات معهم، ودون أن تعني ذلك حقا؟
ليس عيبا بالطبع أن يكون المرء لبقا، ويقول بعض الكلمات اللطيفة للأشخاص الذين تضعه الظروف أحيانا في محادثات معهم، فهذا من بديهات الإتيكيت، ولكن المشكلة في المبالغات التي لا داعي لها، والود الزائد المزيف " لابد وأن نلتقي مرة أخرى قريبا! انتظروا مني اتصالا تليفونيا لنتفق!". إذا لم تضيفي هذه العبارات، واكتفيت بالإثناء على الحوار الذي تبادلته مع هؤلاء الناس لكان ذلك كافيا جدا، وليس فيه أي تجاوز لأصول اللياقة، ولكن المبالغة في هذا الأمر تجعلك ترتدين قناع الصداقة الزائفة، وتتعهدين بأشياء ليس في نيتك أن تنفذيها يوما!
أثناء إجرائنا للمحادثات على مواقع التواصل الاجتماعي، أدى علمنا بأن من نحدثه لا يرانا إلى سقوطنا في فخ التزييف وارتداء الأقنعة والاختباء خلف شاشة الكمبيوتر. في داخلك أنت لا تقصدين ادعاء غير الحقيقة، ولكن الأمر أصبح سهلا وفي متناول يد الجميع، فسقط الغالبية العظمى في فخ التظاهر وارتداء الأقنعة الزائفة.
وقد لعب المشاهير دورا لا يستهان به في تعميق ثقافة الزيف والتظاهر بين الناس، فذلك النجم أو ذاك يتفنن في تمثيل الأدوار المثالية الفاضلة على شاشة السينما، والتي تجعله في عيون الناس بطلا قوميا، ويدعم هذه الصورة بحملات دعائية تبدو كما لو كانت لقطات من حياته اليومية، يظهر خلالها أثناء زيارة ملاجيء الأيتام أو المرضى في المستشفيات أو يتصدر فيها حملة لرعاية المشردين وأطفال الشوارع، بينما الحقيقة أن حياته الخاصة تسودها الفوضى، وربما يصل الأمر لتورطه في أمور غير مقبولة أخلاقيا!
هوس المعجبين بمتابعة أعمال وأخبار نجومهم المفضلين، علمهم مع الوقت ودون أن يدروا كيف يكونون هم أيضا مزيفين في حياتهم وتعاملاتهم، بل وحتى في مشاعرهم!
وهنا ندعوك للتحرر قدر الإمكان من الأقنعة الزائفة. عبري عن مشاعرك الحقيقية بمنتهى الصدق والحرية. لا تدخلي في محادثات على مواقع التواصل الاجتماعية مع أشخاص لا تعرفينهم لمجرد تمضية الوقت، وتتعاملي باسم مزيف أو تتحدثي عن أشياء غير حقيقية وتستخدمي (emotions) لا تعبر عما تشعرين به حقا.
لا تبالغي في المجاملات، بل لا تتطوعي لمجاملة أحد من تلقاء نفسك، فإذا ارتدت صديقتك ثوبا جديدا لم تري فيه أي شيء رائع بحق، لا تتطوعي وتبادريها بعبارة تصف مدى انبهارك وإعجابك بثوبها الجديد، بل اصمتي، ولا تجامليها إلا إذا سألتك بشكل مباشر عن رأيك في جديدها، وأكرر عليك مرة أخرى: احذري المبالغة!
لا تنبهري كثيرا بالصورة المثالية الكاملة التي يصدرها لنا المشاهير عن أنفسهم، وهو الأمر الذي يدفعك للتظاهر بغير حقيقتك لتقتربي من روعتهم وكمالهم، واعلمي أن معظم ما يصدرونه للجمهور عن أنفسهم وطبيعتهم ليس حقيقيا، بل هي أمور يقومون بها لتحسين صورتهم أمام العامة، وبالتالي ضمان المزيد من النجاح لأعمالهم.
حاولي قدر الإمكان النزول إلى أرض الواقع، وتعاملي بوجهك الحقيقي بعد أن تنزعي عنه كل أقنعة الزيف التي تثقل على نفسك، وتقيم بينك وبين الآخرين علاقات واهية وزائفة.