لا تعبّر كلمة «جمال» عن وصف خارجي، بقدر ما كانت ولا تزال مصطلحاً مرادفاً للإمتياز والنجاح. فالجمال حقيقة راسخة لم يتبدّل جوهرها على مرّ العصور، بل تبدّلت مظاهر التعبير عنها.
وبما أنّ النساء هنّ أكثر المعنيّين بهذه المسألة ، فقد سعين دوماً إلى إبراز الجمال وإخفاء العيوب بشتى الوسائل، ومنها الماكياج طبعاً. ولكن يبقى الجمال الطبيعي الأكثر التصاقاً بالمرأة ، والأصدق تعبيراً عنها، بدليل أنّها لا تزال تبحث عنه، رغم كلّ تقنيات التجميل ووسائل الحصول عليه. فما هو رأي الخبراء بالجمال الطبيعي، وبمحاولات استعادته، أمام هجمة الجمال المصطنع وليد عمليات التجميل، التي تزداد رواجاً يوماً بعد يوم؟
معاً للجمال الطبيعي
للمرّة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط، تمّ تنظيم حملة توعية كبيرة في لبنان ضد انتشار العمليات التجميلية بين النساء العربيات. فقد سجّلت هذه العمليات انتشاراً واسعاً في الشرق الأوسط، لدرجة بات لدى معظم النساء العربيات ملامح وجه متشابهة.
وتظهر الدراسات الأخيرة أنّ لبنان يسجّل العدد الأكبر من العمليات التجميلية التي تزداد يوماً بعد يوم. وشكّل هذا الواقع النقطة التي دفعت ثلاثة من أفضل خبراء التجميل في الشرق الأوسط: بسّام فتوح وهالة عجم وفادي قطايا، إلى التدخّل ودعم خطة التوعية الاجتماعية هذه، في محاولة منهم لإنقاذ ما تبقّى من الجمال الطبيعي، في منطقة عنوانها «الجمال».
وتهدف هذه الحملة إلى التوعية وتوضيح الفرق بين العمليات التصحيحية، التي تقوم بتجميل المظهر وزيادة الثقة بالنفس، وبين الهوس بعمليات التجميل، التي تشوّه ملامح الوجه وتغيّره تماماً.
وقد مُنحت هذه الحملة التي أطلقها خبراء التجميل الثلاثة جائزة تقدير بعد أن تمّ اختيارهم من ضمن الشخصيات الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط (تبعاً لإحدى المطبوعات الإماراتية).
خبير الماكياج بسّام فتوح:
كوني نفسكِ بطريقة موضوعيّة وعاقلة
يشدّد خبير التجميل والماكياج بسّام فتّوح على أنّه ليس ضدّ عمليات التجميل بالمطلق، بل هو ضد العشوائية المعتمدة في هذه العمليات.
ويضيف: «أنا مع أن تجمّل السيدة نفسها، ولكنني ضد أن تتشبّه بإحدى النجمات والفنانات، بمعنى أن تتخلى عن هويتها وشخصيتها مقابل شخصية وهوية مختلفة، وأنا ضد خوض السيدة العمليات التجميلية التي ليست بحاجة إليها، بل فقط من أجل أن تشبه هذه النجمة أو تلك... مع العلم أنّ التشبّه من خلال الماكياج والملابس لا يضرّ بالصحة، وسواء كنت معه أو ضده، فهذا الأمر يتعلّق بطباع وشخصية كلّ سيدة.
ويتابع: «انتشرت في الفترة الأخيرة أخبار ومعلومات عن عمليات تجميلية أدّت الى تشوّهات كبيرة في الوجه والجسم... وهذا أمر مؤسف لأنّ هذه الأخطاء والتشوّهات تؤثر كثيراً في نفسية السيدة، ولذلك جاءت حملة التوعية التي أطلقناها «معاً للجمال الطبيعي» للحدّ من هذه المخاطر المتفاقمة مع الوقت، وأنا أقول على الصعيد الشخصي وبشكل موضوعي أنّ هذه الحملة ساهمت بشكل كبير وفعّال بتحقيق وقفة تأمّل ونشر الوعي عند كلّ سيدة ، ونحن مستمرّون لأنّ هذه الحملة ليست محدّدة بوقت معيّن أو بمدّة زمنية معيّنة، وقد لمست هذا التجاوب من خلال تعاملي مع زبوناتي المقتنعات بهدف الحملة».
ويختم بسّام قائلاً: «أدعو كلّ سيدة إلى أن تكون نفسها بطريقة موضوعية وعاقلة، لأنّ الكمال لله سبحانه وتعالى ، ولا مانع أبداً من الخضوع إلى بعض الأمور التجميلية التي قد تساهم في صنع الجمال، ولكن من المهم أيضاً أن تبقى السيدة حقيقيّة وغير مصطنعة».
هالة عجم:
تغذية الروح أهمّ من تغذية الشكل
أما خبيرة الماكياج هالة عجم، فتقول حول الحملة أنّها إيجابيّة إلى حدّ كبير، والدليل انتشارها الواسع في مختلف وسائل الإعلام والندوات واللقاءات التي تمّ عقدها.
وتضيف: «هناك عدة ندوات سنعقدها قريباً لتوعية السيدات حول المخاطر الناتجة من المبالغة في العمليات التجميلية، فأنا لست ضدّ هذه العمليات بل ضدّ المبالغة بإجرائها.
بالنسبة إليّ، إذا لم يكن هناك أي حاجة أو ضرورة لإجراء عملية تجميلية، فهذا الأمر أعتبره مبالغاً فيه، لأنّ السيدة التي تخضع لعملية غير مبرّرة لا تكون تثق أبداً بنفسها، وهناك خلل معيّن في تركيبتها النفسية.
من هنا، وبرأيي، هذا النوع من السيدات هو بحاجة إلى علاج نفسي لتحقيق القناعة الذاتية. ومعظم السيدات في العالم العربي يعتبرن بأنّ الشكل الحلو هو بوّابة عبور، وهو خطأ ، لأنه يجب أن يركّزن على ثقافتهن لإيصال أنفسهنّ إلى المجتمع، ويجب أن تتقبّل كل سيدة شكلها برحابة صدر حتى تحقق الراحة النفسية، وعندما يتحقق هذا الأمر، سيرى كل الناس أنّها جميلة، لأنّها تكون متقبّلة ذاتها.»
وتختم هالة قائلة: «إنّ تغذية الروح أهمّ من تغذية الشكل، كما أنّ الثقة بالنفس تنعكس على الشكل، وتصبح السيدة متفائلة وطبيعية وصادقة مع نفسها أوّلاً، ومن ثم مع مجتمعها».
خبير التجميل فادي قطايا:
الجمال ثقافة
يقول خبير التجميل فادي قطايا أنّ «هدف هذه الحملة توضيح الفرق بين العمليات التصحيحية، التي تقوم بتجميل المظهر وزيادة الثقة بالنفس، وبين الهوس بعمليات التجميل التي تشوّه ملامح الوجه وتعابيره، وتخفيها.
لذلك وضعنا مع زملائي في الحملة تقنيات ماكياج مختلفة كلّ على حدة وعلى وجه عارضة، لإظهار أنّ المرأة لا تحتاج الى العمليات التجميلية للوصول إلى جمالها الحقيقي».
وأضاف فادي قائلاً: «أنا ضد العمليات التجميلية التي تحدث بعشوائية دون مراعاة الأسس الجمالية، مع العلم أنني لست ضد إجراء عمليات التجميل لكن ضمن الحدود الطبيعية، ومن هنا أدعو النساء إلى عدم المبالغة، والاكتفاء بالاهتمام بجمالهن الطبيعي، ولهذه الغاية نحن مستمرّون في الحملة عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسنقوم بتقديم النصائح للنساء كوسيلة بديلة عن التوجّه للعمليات التجميلية.
وأتوّقع أن تؤتي حملة التوعية هذه ثمارها التي بدأنا نلمس نتائجها تباعاً، خاصة وأنّ عدداً كبيراً من السيدات والمراهقات وأطباء التجميل يقفون إلى جانبنا ويدعموننا، ونحن فخورون بأننا استطعنا ترك بصمة واضحة، خاصة لدى الجيل الصاعد من الفتيات اللواتي قد يقعن ضحية أطباء التجميل التجاريين وبلا ضمير مهني».
وأكّد فادي أنّ الحملة برأيه قد نجحت %100، وهم مستمرّون بها للحدّ من مخاطر العمليات التجميلية وحتى الأخطاء التي تحصل في عالم الماكياج، وتحديداً في طباعة الأوشام، فكم من سيدة تشوّهت حواجبها لأنها لجأت الى الوشم ولم تكن بحاجة إليه؟ فالأخطاء ليست محصورة فقط في العمليات التجميلية، بل هناك أخطاء كثيرة يرتكبها خبراء التجميل والماكياج، تضرّ وتؤذي ملامح الوجه، خاصة الخدّين».
«نحن نتوجّه إلى السيدات والفتيات من خلال المؤتمرات التي نعقدها وننصحهنّ بألا يشبهن أو يتشبّهن بأحد، لأننا مع الأناقة والجمال الطبيعيين ، وضدّ كلّ الأمور التي تزيد عن حدّها. وحتى في أوروبا، هناك توجّه كامل نحو الجمال الطبيعي حتى ضمن المنتوجات التي تعنى بأمور الماكياج والتجميل، مثل حشوة الفم والخدّين... ولذلك، أنا أعتبر أنّ الجمال ثقافة، ويجب أن تفهم كل سيدة هذا الشعار جيّداً حتى تحافظ على جمالها الطبيعي».
د. نبيل خوري:
العودة إلى الجمال الطبيعي وهم كبير
الدكتور نبيل خوري (الاختصاصي في علم النفس العيادي والتوجيه العائلي والجنسي) يقول لـ«الجميلة» حول الدعوات المتكرّرة للعودة
إلى الجمال الطبيعي والتخلّي عن عمليات التجميل، خاصة وأنّ السيدة باتت مولعة بها بشكل كبير وضار، أنّ «هذا الأمر وهم كبير لأنّه لا يقوم على قاعدة ثابتة في عالم كلّه مغريات من الصعب التخلّص منها».
ويتابع د. خوري: «يجب ألا يفسّر كلامي هذا بأنّني ضد الجمال الطبيعي، بل على العكس أنا معه ، ولكن يجب أن نطرح السؤال التالي: هل بالامكان أن يتقبّل أيّ مجتمع منظر امرأة تعاني من تشوّهات معيّنة في وجهها؟ أو منظر امرأة لا تهتم بحاجبيها أو بإزالة الشعر الزائد... خاصة وأننا بتنا نعيش في زمن وفي مجتمع متطلباته كثيرة، وباتت الزينة فيه من أولويات الأمور وأهمّها على الإطلاق؟ فالمظهر الجميل تحوّل الهمّ الأوّل وجواز المرور نحو الأفضل».
ويضيف: «العمليات التجميلية وإن تنوّعت الأسباب الدافعة إليها، يجب أن يبقى هدفها تحقيق الراحة النفسية، فاليوم وفي هذا العالم التجميلي الصناعي، باتت عمليات التجميل الشغل الشاغل للسيدات والفتيات على حدّ سواء، خاصة وأنّ مساحيق التجميل المتطوّرة والمنوّعة لم تعد تفي بالغرض التجميلي، فتحوّلن عنها إلى الجراحة دون المبالاة بالأخطار.
وفي حال لجأت السيدة الكبيرة بالسن إلى العمليات التجميلية، فذلك يكون بهدف التخلص من علامات الشيخوخة وتصغير العمر، ولكن من المؤسف أن تلجأ المراهقة إلى هذه العمليات لأنّ الهدف منها غير محدّد وغير صريح: هل هو بدافع الغيرة من صديقتها أم بدافع التقليد أو التماهي؟»
ويؤكّد د. خوري أنّ «اللجوء إلى العمليات التجميليّة بات ضرورياً، سواء للرجل أو للمرأة، وذلك لإنقاذ الاداء الاجتماعي والوظيفي... وهناك بعض المغالاة بهذا الموضوع، خاصة عندما تلجأ السيدة إلى إجراء عدد من العمليات التجميلية (6 أو 7 عمليات) في المكان نفسه، كأن تقوم في البداية بتكبير صدرها ومن ثم تصغيره ومن ثم تكبيره ومن ثم تصغيره... وهذا أمر لا ينتهي أبداً.
ولا أفشي سرّاً إذا قلت أنّ السيدة التي تلجأ الى هذا الكمّ من العمليات مريضة نفسياً، وبحاجة ماسة للعلاج، لأنها لن تكون في يوم من الأيام راضية عن نفسها، وللأسف قد تتأثر ابنتها بها وتقوم بتقليدها، أو قد تنفر منها وتكره العمليات، لأنها تعتبرها ملازمة لوالدتها، أي كأن تقوم بعمل معارض لها أو معادٍ، لإثبات كرهها للعمليات التجميلية».
د. سامي سعد:
العمليات التجميليّة أصبحت خارج نطاق المعقول والمقبول
يقول أمين سرّ الجمعية اللبنانية لجراحة التجميل الدكتور سامي سعد، حول العودة إلى الجمال الطبيعي أنّ «كل شيء زاد على حدّه بات يشكل خطراً وضرراً على صحة ونفسيّة الإنسان، فكيف إذا خضعت السيدة لعدد كبير من العمليات التجميليّة خلال العام؟
ويضيف: «اتّصلت منذ فترة بخبيرة التجميل هالة عجم، وكنت دائماً أطالبها بضرورة اتخاذ خطوات وإجراءات للحدّ من مخاطر التشوّهات الناتجة من العمليات التجميلية، وحتى من الماكياج لأنّه أيضاً يساهم في تغيير السيدة. وأجد حملة التوعية الكبيرة «معاً للجمال الطبيعي» التي هي ضدّ انتشار العمليات التجميلية بين النساء العربيات، مهمّة وجريئة وفعّالة جدّاً، وقد جاءت في وقتها المناسب.
معظم السيدات اللواتي تابعن هذه الحملة تراجعن عن خوض العمليات التي لا ضرورة ولا حاجة إليها، وفضّلن اللجوء إلى العناية والأقنعة... فالنتائج المشوّهة الناتجة عن بعض أطباء التجميل باتت كبيرة وكثيرة، ولا من يراقب أو يحاسب، وبتنا نلاحظ أنّ منظر السيدات، ليس فقط في لبنان بل حتى في الدول العربية، أصبح غريباً عن حقيقتهن، لذلك كان لا بدّ من هذه الحملة للتوعية ودقّ جرس الخطر».
ويؤكّد د.سعد أنّه مع العمليات التصحيحية وليس العمليات المشوّهة التي تلجأ إليها معظم السيدات بهدف التقليد والتشبّه بإحدى النجمات... ومنذ اليوم وصاعداً لن نسكت عن الأخطاء التي تحصل في هذا المجال، كأن تقوم على سبيل المثال سيدة نحيفة بتكبير صدرها لدرجة يصبح جسمها بشعاً ، أو كأن تقوم سيدة سمراء بنفخ شفتيها أو أنفها... وكلّ هذه الأمور خارج نطاق المعقول والمقبول، لذلك أنا مع توعية السيدات وتنبيههن الى المخاطر التي ستلحق بهن».
ويختم قائلاً: «بات هذا الموضوع مطروحاً بشكل جدّي، وأنا مع عدد كبير من أطباء التجميل، ندعم بقوة هذه الحملة، ونقدّم النصائح اللازمة للسيدات، ولا نجري لهنّ أية عملية إلا إذا كنّ بحاجة إليها. مع التأكيد أنّه يوجد عدد من الأطباء الذين يبغون الربح المادي السريع، ولا تهمّهم مصلحة المريضة، ويجرون لها العملية حتى لو لم تكن بحاجة إلى إجرائها، لذلك يجب دعم هذه الحملة التي ليست ضد العمليات التجميلية، ولكنها ضدّ العمليات التجميلية الزائدة عن حدّها، والتي تؤدي إلى عكس المرجوّ منها».