ما الذي أوجده في حافة الليل يجول وحيداً .. وقد أخذه البعد في متاهة الغفلة والضياع .. يسير بغير بوصلة ولا هـداية .. والأقدام هي التي تمشي دون أن يكون للنفس قرار في المشوار .. يرى الأقدام قد تخطت العمران وتوغلت في أجنحة الصحراء .. وكأنها تريد الفرار من فاجعة الهموم التي يحملها القلب .. وهي نست أو تناست بأن تلك الهموم والأوجاع مقرها الفؤاد .. والابتعاد بالمسافات لا تذهب ظمأها وإن هي ركضت في بعض الأحيان .. وحال الأقدام هنا كحال المجنون الذي يحاول الهروب من ظله .. ولا نلوم الأقدام وحدها وقد خرج كل الحواس عن معيار التملك والانقياد .. فاللسان يتكلم وحيداَ ولا يلتزم بقواعد البيان .. مجرد ثرثرة لا تفيد فائدة يحسن السكوت عليها .. والعيون ترى ولا ترى .. لأنها ترى الماضي ذلك الجدل الذي أصبح في حكم الانهيار .. ولا ترى الحاضر الذي أصبح رحباً في صحراء عميقة .. نهاياتها تشير بأن السماء تتعانق بالأرض عند الأفق البعيد .. وذمام الأمر أصبحت موكولة به الأقدام لتجتهد في السير دون غاية محددة أو هـدف مرسوم .. والوجدان تنصل عن واجبات العقل والحكمة لينشغل في حوار العمق .. غير آبه بجماح وانفلات الحواس .. فهناك تمرد في سفينة النفس .. قبطان حائر في غيبوبة الذكريات .. ورياح تتلاعب بالأقدار .. والدفة يديرها أكثر من حاسة وحاسـة . والأوضاع أصبحت في جملتها أقرب للجنون .
لم يكن القرار بيدها .. ولكنها أرغمت لتكون طائعة لمن بأيديهم سطوة القرار .. ومقاومتها لم تكن بتلك الشدة .. لأنها في النهاية ضعيفة وقرارها في يد أهلها .. وكل الالتزامات والوعود البينية لم يجد السند والدعم .. تقدم لها رغم رفضها له .. لأنه ابن عمها .. وتلك حجة قوية تساند موقف ذلك المتنافس العنيد .. وفي لحظات قليلة كان العرض والطلب والقبول من كل الأطراف ما عدا قلبها الصغير .. لحظات قليلة استطاعت أن تمحوا أحلام قلوب عاشت السنوات وهي تخطط لعش سعد وهناء .. فكانت تلك الليلة الكئيبة .. ( ليلة عـرسها ) .. ليلة السعادة والهناء لأهلها أهل الحظوظ .. وليلة البؤس والأحزان لأهلها أهل الشقاء .. في تلك الليلة والكل يشارك الفرحة كان هناك قلب يقيم مأتماَ .. كل زغرودة تسمعها الأذن تعني خنجراً طاعناً في كبـده .. وتلك أنوار الزينة في صالة العرس تشير بخيبة مشواره الماضي .. تقدم نحو مسرح العرس قليلاَ ثم توقف .. وقد تسمرت أقدمه بالأرض .. ومن بعيد وقف يترقب الأحوال .. ثم جرت في خده دمعة دافئة تحكي نهاية أحلام كانت ذات يوم .. تقدم إليها وهي تجلس مع زوجها .. ثم هنئهما بالزواج .. وبعد ان غادر الساحة بدأ ينشد قصيدة جميلة .. منها : ( في تلك الليلة والناس تشارك فرحتك .. أحسست باني غريب هناك .. وأحسست بأنك غريبـة في دنيتـك ) .. ثم خرج مبتعداَ غير مدرك بالمسار .. ولسانه يثرثر بقصة الماضي من لحظات اللقاء الأولى وحتى لحظات الموت التي تمثلها تلك الليلة .. وكما أن العيون بدأت تجود بكل فيضها .. والأقدام أعلنت تمردها وتقدمت نحو المجهول .. نحو أعماق الصحراء .. وهو كالمجنون الذي يفقد القيادة انطلق يمشي ولا يدري إلى أين أو إلى متــى . وتلك هي قصة ( تلك الليلة ) .
في تلك الليلة لم يهن على أن أرضى أو أسامحك
كمـا أنـه لم يهـن علي أن ألومك أو أعاتـبك
شلت في نفسي الجراح والابتسامة وكل حرمان اليتامى
جئــت أهنئـك وأصافحك .. وأقـول مبروك عليـك
أمددت يميني بغيـر كلام ثم رجعــت حابسـا دموعي
لأنـنـي من الحســرة لم استطع أن أقف أمـامك
في تلك الليلة والناس تشارك فرحتك
أحسست بأني غريب هنــاك
كما أحسست بأنك غريبة في دنيــتك
شفــت الدمـوع خــلف الرموش
مكبوتـة بحســرة وضيــاع
ورعشة بالكف المخضب مقرونة بنظرة وداع