كثيرة ٌ هي القصص والحكايات التي تسردها المشاهد اليومية عن واقع التربية ( المتردي ) في مدارسنا بشقيها البنين والبنات ، مما يندى له الجبين وتتفطر به القلوب ، فأصبحنا نتحسر على ماضي التربية القويمة بمدارسنا في العقود الماضية .. وتتجلى لنا صور أبرز معالمها وأعلامها الأفذاذ .. التي صنعت في نفوسنا ـ جنباً إلى جنب ـ مع الأسرة ، أروع مبادئ التربية الصحيحة ومفاهيمها ، فعندما كانت وزارتنا المبجلة تحمل شعار ( المعارف ) كانت التربية أولاً ، والمعارف والعلوم ثانياً .. ، وعندما أضحت الوزارة تحمل شعار ( التربية والتعليم ) فأضحى العكس سائداً !
وكأنما أصبح هناك تمرداً على دلالة العبارة .. تسوقه عدة عوامل مختلفة ومتجانسة ، أسهمت ـ شيئاً فشيئاً ـ في سقوط المغزى الحقيقي من هذا المسمى ، سواءً كانت عوامل هدم خارجية أم داخلية ، فلعلنا هنا نستعرض أبرز العوامل الداخلية ونفندها .. بعيداً عن العوامل الخارجية التي لاحصر لها في هذا المقام ( من تأثير الفضائيات ، والاستخدامات الخاطئة للتكنولوجيا الحديثة ... الخ ) .
ولتقريب المشهد أكثر فأكثر .. فإن المقارنة بين التربية داخل المدرسة منذ عقد أو عقدين أو أكثر .. والتربية حالياً . يبعث على التشاؤم والاشمئزاز ـ بصورة عامة ـ وينبئ بعواقب وخيمة على السلوك العام للأجيال المقبلة ، في حال لم نتدارك ( الموقف برمته ) في هذا المسار .. وفي حال لم نعترف ـ أصلاً ـ بوجود هذه المشكلة ، ونبحث لها عن حلول عملية وواقعية إيجابية . نعم المشكلة موجودة ! والتعاطي معها لايزال حبيس التنظير والـتأويل .
في غالبية مدارسنا اليوم نفتقد للقائد والقائدة المربين ، والمعلم والمعلمة المربين أيضاَ ، ونفتقد للأنظمة الصارمة وتطبيقها في توجيه السلوك وضبطه ، ونفتقد المتابعة والمحاسبة الحازمة لكبح جماح الانفلات التربوي والانقلابات المتسارعة من قبل المجتمع المدرسي بكافة عناصره على أسس ومبادئ التربية السلوكية الصحيحة . فأصبح الشغل الشاغل في ميداننا التربوي ـ الحاضر ـ المادة العلمية والمعلومة فقط ، رغم تعدد مصادر ذلك في زمننا الحاضر .. ولم يدرك الجميع حتى الآن أن " لا تعليم بلا تربية " فما فائدة التعليم إذا لم يقترن بتربية ناجعة تقود مستفيديه إلى تكوين مجتمعِ أفضل ؟!
لقد طفحت مشكلات المعلمين والمعلمات مع الطلاب والطالبات ـ في هذا الشأن ـ على السطح . حتى أصبح الحبل على الغارب .. وأصبحت السيطرة على ضبط وتوجيه سلوك غالبية الطلاب والطالبات من المستحيلات في ظل التشريعات والضوابط التي سنتها وزارة التربية والتعليم خلال عقد السنوات الأخير .. وفي ظل انعدام الثقة بين المدرسة والمنزل من جهة .. وانعدام الرقابة التربوية التوجيهية الذاتية لدى بعض المعلمين والمعلمات من جهة أخرى .. ومن ذلك ـ أيضاً ـ الاختيار الخاطئ للقيادات المدرسية والتربوية الهشة ؛ مما فاقم من حجم المعاناة الحقيقي .. وساهم في تردي الوضع العام لهذه الحالة .
إذاً نحن مطالبون في الوقت الحاضر بتخطي هذه العقبات ، والالتفات إلى صياغة حلول إيجابية سريعة للمشكلة ، بخلق مقومات وعوامل صحية أكثر فاعلية للتأثير في تغيير مسار سلوك أبنائنا وبناتنا الطلاب ، على منهج التربية السليمة المستمدة من شريعتنا السمحة ، والمبنية على مبادئ الفضيلة والأخلاق الحسنة ، فليكن شعارنا الأبدي "التربية أولاً "
ولعل نماذج القيادات التربوية المثالية كثيرة في مجتمعاتنا .. ومن أبرزها في محافظتنا ـ سابقاً ـ على سبيل المثال لا الحصر ، الأستاذ القدير / سعد السويطي " يرحمه الله " والأستاذ القدير / محمد المشاري "يرحمه الله " ، والأستاذة القديرة / نجاح قسوم .. وغيرهم الكثير والكثير ممن أسهم في تهذيب وتوجيه السلوك الصحيح لأجيالٍ ماضية وحاضرة .. ستبقى خالدةً في صفحاتهم المشرقة ..
فجزاهم الله خيراً وأثابهم على ماصنعوه .. فمبثل هؤلاء نشيد .. ونتمنى أن يحذو
كل من في الميدان التعليمي حذوهم .. فالتربية تبقى .. والمعلومة تذهب .