تعدُّ الأسرةالأساس الأول، واللبنة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي،
فالمجتمع عبارة عن تكتل مجموعة أسر، إن صلحت هذه الأسر صلح المجتمع، والعكس بالعكس.
وتبرز أهمية الحديث عن الأسرة اليوم في خضم الصراع الحضاري والثقافي الدائر بين
الإسلام: كدين ونظام للحياة والمجتمع، وبين الأنظمة المادية سواء في الشرق أو
الغرب، والتي جعلت تفكيك الأسرة، وتهميش الروابط الأسرية؛ جزءاً لا يتجزأ من
صياغاتها النظرية، وبرامجها العملية، وهذه الأنظمة المادية تمتلك اليوم من عناصر
القوة ما يمكِّنها من الاختراق الثقافي للمجتمعات الإسلامية التي افتقدت إلى حد
كبير القدرة على التحصن الثقافي ضد أي غزو أو اختراق من هذا النوع.
وتربية الأسرة لا بد أن يعيها كل رب أسرة، وأن يجعلها نصب عينيه؛ لأن الخطر كبير،
والغزو قد داهم نظام الأسرة بشكل كبير؛ دون أن ننسى أن المحافظة على نظام الأسرة
وصيانة كيانها هو مطلب شرعي من كل مسلم انطلاقاً من قول المولى - عز وجل -: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}1،
وحديث الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه عبد الله بن عمر - رضي الله
عنهما - يقول: ((كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام
راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت
زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيتِه))2،
ومن خلال هذا الحديث النبوي الشريف يتبين لكل عاقل اهتمام وحرص الإسلام على الأسرة،
وتكليفه أن يعي المسؤولية المناطة على عاتقه في تربية وتنشئة أسرته، وهذه التربية
لا بد أن تمرَّ ببعض المراحل والتي منها:
1.
أن أول وأهم أسلوب في تربية الأسرة هو حسن اختيار الزوجة التي ستمثل الأم، وقد حدد
الشارع الحكيم المواصفات التي ينبغي توافرها في الزوجة، والمعيار الأول في اختيار
الزوجة فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تنكح
المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك))3،
وعلى هذا فإن الدين يعتبر أساس اختيار المرأة التي هي الجزء المكمل لهذه الأسرة
المسلمة.
2.
أن يعرف الوالدين أنهما هم القدوة الأولى للطفل، فبهم يتعلم الطفل الأخلاق الطيبة،
والكلمة الحسنة، والخلق النبوي الذي يتمثلانه، والعكس بالعكس، وخاصة في السنوات
الأولى من حياة الطفل، فإن السنوات الأولى التي يقضيها الطفل في منزله من أكبر
المؤثرات المسؤولة عن تشكيله في المستقبل؛ فإذا كان الأمر كذلك فيجب عليهما أن
يتفقا ويختارا الأسلوب الأمثل في تربية الطفل.
3.
ربط الطفل بربه وبعقيدته من صغره، فإن ((كل مولود يولد على
الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه))4.
4.
استغلال المواسم لتنمية الالتزام بهذا الدين، وهذه المواسم كشهر رمضان، والعشر
الأوائل من ذي الحجة، وعاشوراء، وغرس المفاهيم الإسلامية الصحيحة في نفس الطفل،
وتنشئته عليها، ومحاربة العقائد الباطلة التي تنتشر في مثل هذه المواسم الجليلة،
ووضع أهداف لرب الأسرة وللأسرة، والحرص من قبل رب الأسرة على أن يسعى جميع أفراد
الأسرة إلى الوصول إليها: كختم القرآن في رمضان ثلاث مرات، أو قراءة كتاب في
التفسير، أو إنهاء جزء من القرآن خلال جلسات تفسيرية وتربوية، أو جزء من كتاب الله
أو أكثر، مع مراعاة جانب الترغيب، والفروق الفردية في الأسرة، والحرص على التذكير
من قبل رب الأسرة لأفراد الأسرة بثواب العمل الصالح، وتهيئة الأسرة لدخول المواسم
الربانية كرمضان ونحوه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
نسأل الله - عز وجل - أن يصلح مجتمعاتنا، وأن يصرف عنها كيد الكائدين، وأن يهدي
أبناء الإسلام والمسلمين، ويردهم إلى دينهم مرداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر
عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين،
والحمد لله رب العالمين.