خصوصية عاشوراء وفضل صومه
جـاء في فضل عاشوراء أنه يوم نجَّى الله فيه نبيه موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ والمؤمنين معه، وأغـــرق فيه فرعون وحزبه؛ فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المديـنـة، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" فـقـالـوا: هــــذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرّق فـرعـون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه . فقال رسول الله صلى الله عـلـيـه وسلم: "فنحن أحق وأوْلى بموسى منكم" فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه(2)، وها يحتـمل أن الله ـ تعالى ـ: "أوحى إليه بصدقهم، أو تواتر عنده الخبر بذلك"(3).
وقـد جاء بيان فضل صيام يوم عاشوراء في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم عـاشوراء، فـقــــال: "يكفِّر السنة الماضية"، وفي رواية: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفـــر السنة التي قبله"(4)، وفـي حديث آخر: "ومن صام عاشوراء غفر الله له سنة"(5).
قـال البـيـهـقـي: "وهذا فيمن صادف صومه وله سيئات يحتاج إلى ما يكفِّرها؛ فإن صادف صومه وقد كُفِّرت سيئاته بغيره انقلبت زيادة في درجاته، وبالله التوفيق"(6).
بل إن صيامه يعدل صيام سنة، كما في رواية: "ذاك صوم سنة"(7).
ويصور ابن عباس حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيـامـه فيقول: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشــوراء، وهذا الشهر، يعني: شهر رمضان"(8).
ولـِمَـا عُرف من فضله فقد كان للسلف حرص كبير على إدراكه، حتى كان بعضهم يصومه فـي الـسـفــر؛ خشية فواته، كما نقله ابن رجب عن طائفة منهم ابن عباس، وأبو إسحاق السبيعي، والـزهـري، وقال: "رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر"(9).
كيفية مخالفة اليهود في صوم يوم عاشوراء:
يـظـهـر مما تقدم من الأحاديث ـ والله أعلم ـ أن الأكمل هو صوم التاسع والعاشر؛ لأنه هو الذي عزم على فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن صحـح حديث: "وصوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا" فإنه قال بمشروعية صيام الحادي عشر لمن لـم يصم التاسع، لتحصل له مخالفة اليهود التي قصد إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ خاصـــــة أن من أهل العلم من يرى كراهية إفراد العاشر بالصوم؛ لما فيه من موافقة اليهود ومخالفة الأمر بمخالفتهم، وأيضًا خشية فوات العاشر(33).
ومن أهل العلم مـن قــــال بأفـضـلـية صوم الثلاثة أيام: التاسع والحادي عشر مع العاشر، وحجتهم الرواية المتقدمــــة: "صومــوا يومًا قبله، ويومًا بعده"، وأيضًا: الاحتياط لإدراك العاشر، ولأنه أبلغ في مخالفة اليهود(34).